مساواة أم تهاون في الحقوق؟.. الأرجنتين تلغي مفهوم «قتل المرأة» من قانون العقوبات
وسط تطور مقلق من ارتفاع معدلات الجرائم
بقرار إلغاء مفهوم "قتل المرأة" من قانون العقوبات الجنائية المحلي، تدخل الأرجنتين نفقا مظلما جديدا، رغم تأكيد السلطات أنه يأتي تأكيدا على مبدأ المساواة أمام القانون، إلا أن الإحصاءات والأرقام بشأن الجرائم ضد النساء في البلاد تلقي بظلالها على القرار الذي بات سلاحا ذا حدين.
وأعلن وزير العدل الأرجنتيني ماريانو كونيو ليبارونا، السبت الماضي، أن السلطات في بلاده ستقوم بإلغاء مفهوم "قتل المرأة" من قانون العقوبات الجنائية المحلي، والذي كان يُعتبر "ظرفا مشددا"، موضحا أن هذا التعديل يأتي في إطار التأكيد على مبدأ المساواة أمام القانون، حيث لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة.
وكتب وزير العدل عبر حسابه على منصة "إكس"، قائلاً: "سنقوم بشطب مفهوم (قتل النساء) من قانون العقوبات الجنائية، حكومتنا تدافع عن المساواة أمام القانون، لا توجد حياة تساوي أكثر من حياة أخرى".
وجاء ذلك استكمالا لسياق طرحه الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، خلال المشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس قبل أيام، إذ انتقد الحركة النسوية المتطرفة في بلاده واتهمها بتشويه مفهوم المساواة.
وفي عام 2012، قامت الأرجنتين بتعديل قانونها الجنائي ليُعتبر القتل على أساس الجنس، بما في ذلك قتل المرأة، "ظرفا مشددا"، مما كان يؤدي إلى فرض عقوبات أشد على الجرائم التي ترتكب ضد النساء وقد تصل إلى السجن مدى الحياة في حال قتل امرأة، في مقابل 25 إلى 30 سنة من السجن عند ارتكاب جريمة قتل من نوع آخر.
عشرية مليئة بالجرائم
في يونيو 2015، نظم مئات الآلاف من المتظاهرين في الأرجنتين مسيرات ومظاهرات حاشدة تنديدا بالعنف المسلط على النساء بعد موجة من الجرائم هزت البلاد والدول المجاورة لها، في أمريكا اللاتينية، حيث جاء هذا الغضب ردا على وقوع ثلاث جرائم كبيرة طالت النساء بالأرجنتين.
وبحسب وسائل إعلام محلية آنذاك، وقعت حوادث ضد النساء تمثلت في خنق رجل طليقته التي تعمل في حضانة أمام الأطفال، وقتل مراهقة حامل في الرابعة عشرة ودفنت في الحديقة العائلية على يد عشيقها السابق البالغ من العمر 16 عاما وأفراد من عائلته، بخلاف قيام رجل هجرته شريكته بإطلاق الرصاص عليها وهي تجلس في مقهى.
وأفادت منظمة كازا ديل إنسوينترو (أرجنتينية غير الحكومية) بأن 277 امرأة قُتلت سنة 2014 في الأرجنتين، وحرقت 53 امرأة حية بين عامي 2010 و2012، وسط تقديرات بمقتل امرأة كل 31 ساعة في الأرجنتين لأنها حملت مثلا أو طعنت بالسكين من شدة غيرة زوجها أو اغتيلت بعد طلاق.
وفي نوفمبر 2017، كشفت منظمة “MuMaLa” النسائية في أمريكا اللاتينية، بأن 254 امرأة على الأقل لقيت مصرعها في جرائم قتل ضد النساء ارتكبت في الأرجنتين خلال هذا العام، إذ أوضحت المنسقة القومية للمنظمة، راكيل فيفانكو، أن جرائم قتل النساء عُملة جارية في الأرجنتين نظرا لعدم وجود سياسات موجهة لمنع ممارسات العنف ضد المرأة والمعاقبة عليها واقتلاع جذورها.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن 75 بالمئة من جرائم قتل النساء ارتكبها رجال من الدائرة المقربة للضحايا، مقابل 13 بالمئة جاءت على يد معارف الضحايا، و5 بالمئة نفذها غرباء، لافتا إلى أن 18 بالمئة من ضحايا قتل النساء قدمن بلاغات مسبقة ضد الجناة وأن 12 بالمئة منهن حصلن على تعهدات بعدم التعرض.
في عام 2018، تلقى الخط الساخن الذي تم إنشاؤه لمساعدة النساء اللاتي يواجهن العنف بالأرجنتين 169014 مكالمة، حيث أفادت 8 من كل 10 نساء اتصلن بالخط الساخن بأنهن تعرضن للإيذاء لأكثر من عام، وأفادت 8 نساء من كل 10 بأنهن كن ضحايا صامتات للعنف لأكثر من خمس سنوات، حيث سجلت 278 جريمة قتل راحت ضحيتها نساء معنفات في عام 2018 بحسب أرقام المحكمة العليا في البلاد.
تنديد بالعنف ضد المرأة
وفي يونيو 2019، احتشد عشرات الآلاف في بوينس آيرس للتنديد بالعنف الممارس ضد المرأة وعدم تمتعها بكامل حقوقها وآخرها عدم الحق في الإجهاض، تحت شعار "نحب أنفسنا حُرَّات وعلى قيد الحياة" احتجاجا على الجرائم ذكورية الطابع ومن أجل تشريع الإجهاض.
وفي مايو 2020، أفادت جمعية حقوقية أرجنتينية بأن معدلات جرائم القتل بحق النساء في الأرجنتين وصلت إلى مستوى قياسي لها منذ 10 سنوات تزامنا مع الحجر المنزلي بسبب فيروس كورونا.
وأشارت جمعية "La Casa del Encuentro" المدافعة عن حقوق المرأة، إلى تسجيل قتل أكثر من 50 امرأة خلال أقل من شهرين، 3 منهن خلال الأيام الأربعة الأخيرة، وذلك مع زيادة شدة العنف ضد النساء، وقالت رئيسة الجمعية آدا ريكو: "نحن قلقون فهذا هو أكبر رقم منذ 10 سنوات"، مضيفة أن النساء يتعرضن للضرب حتى الموت والخنق.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن 12 امرأة يُقتلن يوميا في أمريكا اللاتينية، وتقع في تلك المنطقة 14 دولة بينهم الأرجنتين من أصل الدول الـ25 التي تسجل فيها أعلى معدلات قتل النساء في العالم، ولهذا السبب أطلق الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مبادرة عالمية في عام 2017 لمعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات، وانضمت الأرجنتين إلى المبادرة إلى جانب عشرات البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم.
وفي عام 2024، كشفت منظمة العفو الدولية، في تقرير، أن أعمال القتل القائمة على النوع الاجتماعي استمرت بلا هوادة خلال عام 2023، واستمرت معها ظاهرة الإفلات من العقاب، وذلك قبل أن يعلن وزير العدل الأرجنتيني ماريانو كونيو ليبارونا أن السلطات في بلاده ستقوم بإلغاء مفهوم "قتل المرأة" من قانون العقوبات الجنائية المحلي.
سلاح ذو حدين
وبحسب الخبيرة في العلاقات الأوروبية والدولية المقيمة في فرنسا، جيهان جادو، فإن قرار السلطات الأرجنتينية بإلغاء مفهوم "قتل المرأة" من قانون العقوبات الجنائية المحلي، يعد سلاحا ذا حدين.
وقالت جادو في تصريح لـ"جسور بوست": "الأمر قد يبدو في ظاهره إيجابيا حيث يعزز مفهوم المساواة، خاصة في جرائم القتل سواء كان المجني عليه رجلاً أم امرأه، حيث لا بد أن يعاقب بعقوبة القتل المشدد، أما الأمر الثاني فهو بكل أسف قد يؤثر على وضعية المرأة في مثل هذه الدول التي كانت تعتبر قتل النساء ظرفا مشددا".
وأوضحت جادو: "الآن مع إلغاء هذا القرار قد يصبح قتل المرأة يحدث بنسب أعلى، خاصة أنه في العديد من الدول ما زال العنف يمارس ضد المرأة بشكل كبير، لذلك قد يؤثر قرار إلغاء مفهوم قتل المرأة سلبا على العديد من الجناة".
وتابعت أن "التشديد في العقوبة غالبا ما يقلص عدد الضحايا أما مع هذا الوضع ستصبح الجريمة واحدة والعقاب أيضا متساويا سواء كان المجني عليه رجلا أم امرأة لكن أضرار النساء أكبر لأنهن المتضررات الأكبر".
أرقام وإحصاءات مروعة
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية الفرنسي، بيير لويس ريموند، إن أرقام وإحصاءات الجريمة ضد المرأة في تلك السنوات بالأرجنتين مروِّعة، وتكشف عن تقصير السلطات والتعاون في ملاحقة الجناة المتورطين في جرائم العنف وقتل النساء.
وأشار ريموند في تصريح لـ"جسور بوست"، إلى أهمية أن تلعب المنظمات الدولية والأممية والأوروبية دورا في دعم المرأة الأرجنتينية من خلال تقديم المساعدات وسبل الحماية، لا سيما الدعم النفسي للمتضررات، مشيرا إلى أهمية تدشين مبادرات في دعم النساء الأرجنتينيات.
وأوضحت الدكتورة هدى بدران، أستاذة العلوم الاجتماعية وإحدى رائدات الحركة النسوية في مصر، أنه يجب النظر لمثل هذه الأمور ليس من باب المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون لأن ذلك يزيد الصراع بينهما، خاصة أن القتل بالأساس استهداف لروح بريئة سواء كان المقتول رجلا أم امرأة.
وأكدت بدران في تصريح لـ"جسور بوست" أن القانون ليس الحل الوحيد، ولكنه أداة لتنفيذ العقوبة، مشددة على أهمية البدء في تشخيص سليم وشامل للأمور التي تؤدي لزيادة الجريمة في الأرجنتين ضد المرأة وغيرها، ونعمل على الوقاية مبكرا، دون أن نعتبر أن الرجل مصيبة والمرأة ضحية، لأن ذلك الأسلوب لا يقود لحلول شاملة لأن العنف يطول الجميع.
ولا تزال معدلات جرائم قتل النساء في الأرجنتين مرتفعة، إذ يُعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، أبرزها الثقافة الذكورية الراسخة، والإفلات من العقاب، واستمرار القوالب النمطية المتعلقة بالجنسين، ما يفرض على البلاد تحديات مستمرة في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويظهر الحاجة إلى سياسات فعّالة لحماية النساء وتعزيز المساواة.